14 مايو 2008

احياء ذكرى النكبة بقلم الصحفي عدنان حطاب

إحياء ذكرى النكبة
بقلم عدنان حطاب

منذ أيام ووزارة الثقافة الفلسطينية تقوم بتوزيع رقاع الدعوة لحضور ما أسمته المهرجان المركزي لأحياء الذكرى ال60 للنكبة الفلسطينية في طولكرم بشمال الضفة الغربية
وفي قاعة "جامعة "خضوري كان اللقاء وكان إحياء الذكرى ويا ليته لم يكن!!!
حجم الحضور كان مخزيا إن تم مقارنته بعدد سكان المحافظة ...فمن المسئول عن هذا الفشل ؟ هل هي وزارة الثقافة ؟ أم السلطة؟ أم المواطن ؟ أم الفصائل؟ لا ادري.
الغريب في الأمر أن الطلبة الدارسين في الجامعة لم يشارك منهم إلا القلة في هذه الذكرى وعندما خرجنا من القاعة وجدنا العشرات منهم يتمشون في طرقات وساحات الجامعة
فأين الخلل ؟ .. هل أن النكبة الفلسطينية باتت أمرا تافها وحقيرا لا يستحق الحضور أو المتابعة ؟ أم أن المواطن أصبح كسولا حتى عن أمور وقضايا مصيرية تخصه وتخص مستقبله ومستقبل أبنائه على هذه الأرض؟ أم أن الأمر يتعلق بعدم ثقة وإيمان بالقائمين على هذه الدعوات؟
الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج منا إلى الصراحة والدعوة إلى حرية البحث والتقصي عن أسباب هذا التحول في المزاج العام..والعمل على حشد الجمهور في المكان والزمان المناسبين.
فشل إحياء النكبة كان له عدة مظاهر أولها الفوضى المتفشية وعدم احترام النظام فطوال عرض الفقرات والخطابات لم ينقطع جمهور الخارجين والداخلين إلى القاعة
وطوال الوقت تتردد رنات الهواتف الخلوية والأحاديث الجانبية للحضور.. لا قيمة أو احترام لقدسية المناسبة وعظمتها وتأثيرها كان الصمت المطبق والحزين أولى بالحضور من تبادل السلامات والقهقهات والأحاديث الجانبية ولكن ...
كما أن الحضور لم يتجاوز بضع مئات عدد كبير منهم تواجد في الاحتفال كجزء من طبيعة وظيفته وعمله والعدد المتبقي تشكل من طالبات صغيرات في المدارس الابتدائية واللواتي أحضرن لشغل المقاعد الفارغة بالقاعة أو للتلويح باليافطات والأعلام على خشبة المسرح وقد لا يعرفن الكثير عن النكبة.
لقد بدا واضحا أن الصغيرات المشاركات في الاحتفال يتنقلن بطريقة عشوائية بلا نظام أو ترتيب وكانت المعلمة المشرفة عليهن تبدو وأنها فقدت السيطرة على تنظيمهن .
لقد قرأت الأسى في عيون ابن بلدة عنبتا الشاعر أديب رفيق محمود الذي تحدث عن يافا وقال قصيدة صورت زيارته للمدينة بعد حرب عام 1967 ونوه إلى انه سيلقى قصيدة بعنوان الشهيدة لينا النابلسي إلا انه لاحظ على ما يبدو مدى الفراغ في القاعة والانسحاب المتزايد للحضور فشكر من تبقى من الجمهور ونزل درجات المسرح منسحبا بهدوء وبفكر شارد لولا أن سارع مدير مكتب الوزارة بتلقفه ودعوته لمصافحة الوزيرة والمحافظ وكبار الحضور.
حدثني احد أعضاء لجنة البلدية التي أطيح بها مؤخرا في طولكرم قائلا إننا أثرنا قضايا التجاوزات ومخالفة القانون منذ عدة اشهر ولم يتحرك حتى مواطن واحد ليسأل ما الذي يجري في البلدية وأضاف انه على ما يبدو لم يعد احد يعنيه المصلحة العامة والقضايا العامة في مدينته أو بلده.
نعم هناك تحول حقيقي في الشارع الفلسطيني ... أتذكر أن أول شهيد في مدينتي طولكرم بانتفاضة الأقصى كان محمد القلق العنصر في جهاز امن فلسطيني والذي استشهد في نابلس ... لقد خرج عشرات آلاف في المدينة والمخيم للمشاركة في استقبال الشهيد ومكث الحضور ساعات طويلة في الشمس المحرقة بانتظار وصول الجثمان إلى طولكرم وكانت جنازة مهيبة وحاشدة بحق ... في أواخر أيام الانتفاضة كنت ترى أهل الشهيد فقط وأعداد لا تتجاوز أصابع اليد يحملون الشهيد أو يشاركون في جنازته ... ما الذي تغير يا ترى ؟
إحياء ذكرى النكبة في اعتقادي فشل ولم يحالفه النجاح
أمر آخر يلمسه المواطن هو الفشل الواضح لما يطلق عليه القوى والفصائل الوطنية وعدم قدرتها على حشد أي جمهور بل يشارك ممثل الفصيل أو الجماعة مع واحد أو اثنين من جماعته وأخشى انه يعتبر ذلك مشاركة ونشاط يضمنه تقاريره التي يرفعها لمن هم أعلى منه مرتبة ليقول لهم انه شارك وبفعالية بالنشاطات الوطنية
أضف إلى ذلك التكرار الممل للعبارات الممجوجة ولغة الخطابات المتبعة في هذه المناسبات والتي في جوهرها مناقضة تماما لما يجري على ارض الواقع من سياسات وممارسات حتى باتت الكلمات دغدغة فاشلة لعواطف قلة من الجمهور.
لا بد لنا من بناء الإنسان الفلسطيني المنتمي للوطن لا الحزب أو الجماعة أو الراتب.. بناء الإنسان يعني الوحدة والاتحاد ورفض الانقسام .. أين أبناء المخيمات أهل اللجوء والتشرد ومنهم عشرات آلاف في طولكرم لماذا لم يشاركوا في هذه الذكرى الأليمة أم أن إحياء النكبة بات من نوافل الأمور أو فرض كفاية إن قامت به القلة سقط عن الباقين ؟؟؟ أخشى أن تكون نكبة العام 1948 جزء يسير من نكبتنا في أنفسنا .. بدون بناء الإنسان نظل نعيش النكبات وليس نكبة واحدة ... نكبة الوطن لها حل مع الصبر والأمل والعمل.. لكن نكبة النفس لا حل لها إلا بالفناء فهل نستطيع أن نتخلص من النكبات لنتفرغ فعلا لمواجهة النكبة هذا ما آمله وأتمناه .
*صحفي فلسطيني مقيم في طولكرم

ليست هناك تعليقات: