30 أغسطس 2009

التقدم الطبي....!!!!

سرطان حميد .. وخطأ طبي "حميد"!!
مصطفى إبراهيم
29/8/2009
لم تصدق والدة الطفلة إيمان الحاج احمد من مدينة غزة الخبر الذي زفه لها زوجها من مصر عبر الهاتف أن ابنتهما ليست مريضة بالسرطان، وان التشخيص أثبت أنها مصابة بورم حميد، يحمل الاسم "فيو كرومو سايتوما" وان العملية الجراحية التي أجريت لها في غزة كانت نتيجة تشخيص خاطئ سبب لها الألم والمعاناة مدة ثلاثة أشهر.
خلال الشهور الثلاثة تلقت إيمان العلاج الكيماوي ما تسبب في سقوط شعرها وغيابها عن مدرستها ومعاناة إضافية لعائلتها، وحسب ما ذكر لي والدها أن الأطباء المصريين الذين عالجوا إيمان اخبروه أن حظها كان جيداً إذ أن جلسات العلاج الكيماوي التي كانت تتلقاها في غزة كانت ضعيفة، ما عجل في شفائها في مستشفى معهد ناصر للأورام بمصر، حيث مكثت 53 يوماً وبعد إجراء الفحوص من جديد والعينة المستأصلة، أجرى لها الأطباء 13 تحليلاً وصورة جديدة للأشعة.
معاناة إيمان بدأت منذ 22/3/2009، حيث أجريت لها عملية جراحية لاستئصال ورم من الجهة اليسرى من البطن، وبعد انتهاء العملية تم إرسال عينة من الورم إلى معمل الباثولوجي للتحليل في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وبعد 18 يوماً ظهرت النتيجة بأنها مصابة بورم خبيث اسمه "نيورو بلاستوما"، وبناء على تلك النتيجة تقرر أن تخضع الطفلة إلى جلسات علاج كيماوي، وفعلاً خضعت لأربع جلسات، ما سبب لها معاناة وألم بالإضافة إلى الحالة النفسية والبدنية حيث سقط شعرها ونقص وزنها، وانعكس كل ذلك بشكل سلبي على الأسرة وأشقائها وشقيقاتها، وخيم الحزن والهم على العائلة والطفلة.
وانتظرت إيمان بعد ذلك من اجل السفر لتلقي العلاج في مستشفى المطلع في مدينة القدس، وفي حينه اخبر الأطباء والدها انه لا يوجد لديهم علاج يفيدها، فقرر الأطباء في غزة تغيير تحويله العلاج في الخارج من القدس إلى مصر، واستعدت إيمان للسفر في 19/5/2009، لكنها لم تتمكن من السفر إلى مصر لعدم تمكن والدها من تسجيلها مبكراً، اضطرت خلال ذلك للانتظار إلى أن يفتح معبر رفح الشهر الذي يليه.
وتمكنت إيمان من السفر في 28/6/2009، وكان حظها أن اكتشف الأطباء المصريون أنها مصابة بورم حميد واستطاعوا أن يزيلوا آثار المرض، وخيم الفرح على عائلتها وهي الآن تتماثل للشفاء وبدا شعرها بالنمو من جديد.
إيمان وغيرها من مئات المرضى هم بأمس الحاجة لتلقي العلاج، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية وهم بحاجة إلى رعايا طبية جيدة واهتمام من قبل وزارتي الصحة في حكومتي غزة ورام الله، وهم بحاجة لتلقي العلاج في الخارج لعدم توفر العلاج في المستشفيات الفلسطينية خاصة في قطاع غزة المنكوب والمدمر جراء الحصار ونقص الإمكانات والخبرات والاختصاصيين المهرة.
بعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على القطاع توقفت وزارة الصحة في حكومة رام الله عن تحويل المرضى إلى المستشفيات الإسرائيلية، مع علمها أن مستشفيات الحكومتين خاصة في القطاع ليس لهما القدرة على تقديم العلاج المناسب للمرضى المحتاجين لعمليات جراحية خطيرة، ما تسبب في معاناة إضافية للمرضى أصحاب الأمراض الخطيرة.
وحال إيمان وربما غيرها كثيرين من المرضى يتم تشخيص أمراضهم بشكل خاطئ، وفي ظل الشكاوى والحديث الدائر من مرضى القطاع عن الإهمال الذي يتعرضون له في بعض مستشفيات القدس والضفة الغربية، ما يعزز من القناعة أن الوضع الصحي في فلسطين كارثي وأننا بحاجة إلى إجراء تقويم حقيقي لذلك ولا نكتفي بالدفاع عن وزارتي الصحة سواء في الضفة أو في غزة.
هذا المقال الثالث الذي اكتبه عن المرضى الفلسطينيين الذين يدفعون ثمن الاحتلال والحصار، والاهم الانقسام والنقص في الإمكانات والتخصصات العلمية، والإهمال وعدم تقديم الخدمة الطبية المناسبة واللازمة للمرضى خاصة في قطاع غزة.
فالوضع الصحي في قطاع غزة سيئ والمستشفيات تعاني من عجز في الخبرات الطبية المتخصصة والأطباء المهرة، والنقص في الأسرة والأجهزة التي تساعد في التشخيص، والمستشفيات إمكاناتها محدودة وعدد كبير من الأجهزة الطبية قديمة ومستهلكة وغير كافية لحاجة السكان، فمليون ونصف المليون إنسان في القطاع لا يتوفر لديهم الأجهزة الطبية المتقدمة والمتطورة التي تساعد في التشخيص.
وهناك عدد كبير من المرضى يعانون من أمراض خطيرة كالسرطان وزراعة النخاع الشوكي والقلب المفتوح وهم بحاجة لإجراء عمليات جراحية عاجلة، والموت يهدد حياة الكثير منهم.
المرضى الفلسطينيون بأمس الحاجة لتلقي العلاج المناسب غير المتوفر لهم خاصة في مستشفيات قطاع غزة، ولا يوجد في غزة مسح ذري ولا يود مشعاً، والعلاج الكيماوي حسب الأطباء المصريين أثبت أن فاعليته محدودة ولا يعطي نتائج ايجابية.
في حينه عندما وجهت الانتقادات إلى وزير الصحة في رام الله بوقف التحويل للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية لم يكن من باب المزايدة، وحباً من المرضى الفلسطينيين بالتوجه للعلاج في إسرائيل بل لان الأسباب معروفة وواضحة، وجاء ليعفي الاحتلال من مسؤوليته القانونية والأخلاقية تجاه الشعب المحتل، وكذلك يهدد حياة مئات المرضى خاصة مرضى السرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة فيما المعابر مغلقة، فهل مطلوب منهم أن يموتوا؟
ما جرى مع إيمان يدق ناقوس الخطر في الحال التي وصل إليها الوضع الصحي في فلسطين، ومطلوب من وزير الصحة في حكومة غزة فتح تحقيق جدي وحقيقي وأجراء تقويم سريع للوضع الصحي المهلهل وضرورة المسائلة والمحاسبة وفرض رقابة دائمة ومستمرة، مع علمنا وتقديرنا أن الحصار المفروض على القطاع سبب في تردي الوضع الصحي إلا أن كل ذلك لا يعفي وزارة الصحة من تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية عن ما جرى مع الطفلة إيمان ومعاقبة المسؤولين عن الخطأ الطبي في تشخيص مرضها وعلاجها الخاطئ ورفد المستشفيات بالاختصاصيين والإمكانات اللازمة.
Mustafamm2001@yahoo.com
mustaf2.wordpress.com