28 سبتمبر 2008

شعرة معاوية ............

عن الأهرام القاهرية

شعـرة معـاوية
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

هند بنت عتبة كانت قاعدة لا بها ولا عليها مع زوجها الفاكه بن المغيرة يتسامران مضطجعان في دارهما المتسعة اتساع المضيفة التي يعرج إليها المسافر لقسط من الراحة وذو الحاجة لقضاء حاجته‏..‏ ويشاء السميع العليم أن يخرج الفاكه لبعض شأنه ويعود بعد فترة وجيزة ليفاجأ بواحد ممن كان يغشي الدار خارجا مهرولا لا يلوي علي شيء‏,‏ فلم يتمهل الزوج الغيور المستريب ليسأله عن أي من وجهتيه في الدخول والخروج‏,‏ وإنما اندفع تؤججه نيران غيرته ليهبط علي هند صفعا وركلا وطردا واتهاما شائنا‏,‏ ظلت فيه بلا طائل تدافع عن نفسها بين حمم ثورته بأنها لم تر أحدا ولا انتبهت لأحد كي يظن بها الظنون‏..‏
وكثر لغط القوم ليختلي بها والدها لتحري الحقيقة بلسانها مزمعا إذا ما كان الأمر له أصل فسيدس علي الفاكه من يقضي عليه لتخرس من بعد موته الأقاويل‏,‏ أما إذا كان ادعاؤه كاذبا فلا مناص من الذهاب إلي كاهن اليمن ليكشف الستر وتبرأ صاحبة الذيل النظيف‏..‏ ويخرج عتبة مع جماعته من بني عبد مناف وفي صحبتهم ابنته هند مع بعض من نسوة تأنس لهن‏,‏ وعلي الجانب الآخر يخرج الفاكه في جماعته من بني مخزوم‏..‏ وعلي مشارف اليمن يلحظ الأب اضطرابا متزايدا علي ابنته فيسألها الإفصاح‏,‏ فتصارحه بتخوفها من مدي قدرة ذلك الكاهن الذي رحلوا إليه عبر الصحراء شموسا وأقمارا والذي قد يخطئ في حكمه فيدمغ اسمها بالعار إلي آخر العمر بين العرب‏,‏ فطمأنها الأب اللبيب بأنه سيجري في البدء اختبارا لقدرات الكاهن قبل أن يعهد إليه بالقول الفصل في أمرها‏..‏
وقام في السر بدس حبة من القمح في موضع حساس من فرسه فذكر له الكاهن أمرها ومكانها علي الفور‏,‏ وهنا دفع عتبة إليه بالنساء للنظر في أمرهن‏..‏ فجعل يدنو من الواحدة تلو الأخري ليأمرها بالانصراف حتي توقف عند هند فضرب علي كتفها قائلا‏:‏ انهضي يا ابنتي طاهرة غير زانية‏,‏ ولتلدين ملكا يقال له معاوية‏..‏ ويهرع الفاكه إليها ليعيدها لبيته بعد أن برأت ساحتها فتعرض عنه نافرة قائلة‏:‏ والله لأحرصن أن يكون ولدي هذا من غيرك‏..‏ و‏..‏ كان أن تزوجها أبوسفيان فجاء معاوية‏..‏
هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر‏,‏ القرشية ربة الحسن والجمال والرأي والشعر‏,‏ المعتدة بذاتها وقومها‏,‏ قوية الخصام‏,‏ رفيعة المقام‏,‏ صاحبة الشخصية الطاغية‏,‏ والأنوثة العارمة التي تبلغ في بعض أحوالها مبلغ الوحشية فكانت تلقب بآكلة الأكباد لأنها لاكت كبد حمزة عم النبي بعد أن قتل رجالها في موقعة بدر قائلة‏:‏ أنا أعظم من الخنساء مصيبة وكان القتلي هم والدها عتبة بن ربيعة‏,‏ وشيبة بن ربيعة‏,‏ وأخاها الوليد بن عتبة‏.‏ وفي يوم أحد كانت تضرب الدفوف لتحريض الرجال علي القتال‏.‏
هند التي قال عنها أبوهريرة‏:‏ رأيت هندا بمكة كأن وجهها فلقة قمر وخلفها عجيزتها ـ مؤخرتها ـ مثل الرجل الجالس‏,‏ وكان معها صبي يلعب فمر رجل فنظر إليه قائلا‏:‏ إني لأري غلاما إن عاش ليسودن قومه‏,‏ فقالت هند‏:‏ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة‏..‏ هند كما يذكر الأصفهاني في أغانيه قد عشقها مسافر بن أبي عمرو بن عبد شمس وعشقته‏,‏ وكان أكثر فتيان قريش جمالا وفصاحة وشعرا‏,‏ ولما شاع خبرهما خافت عليه هند فنصحته ــ لأنه معسر لا يستطيع التقدم لزواجها ــ بالخروج إلي الممالك المجاورة ليصيب مالا لمهرها كي يرضي به أهلها‏,‏ ويسافر مسافر إلي الحيرة ليقربه إليه ملكها النعمان بن المنذر‏,‏ وفي تأهبه لعودة مظفرة حاملا مهرها يقدم أبو سفيان في تجارة له ليرحب به مسافر‏,‏ وكيف لا وفي طيات ثوبه بعض من نسيم الأحبة‏,‏ وفي فمه أحاديث تحلو بذكرهم‏,‏
ويروي أبوسفيان أخبارا متفرقة خاتمتها خبر زواجه بهند بنت عتبة‏..‏ ويسقط مسافر في جب اليأس ليموت كمدا ويدفن في الهبالة قرب مكة في طريقه إلي موطن الحبيبة ليخلد في قائمة شعراء ماتوا عشقا‏..‏ ولا آخر لما جاء عن هند في الأدب والتاريخ وعن زوجها أبوسفيان ــ والد معاوية ــ سيد عشيرته ومحاور هرقل الروم وأمراء بيته‏,‏ والذي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه‏,‏ الذي قال الرسول صلي الله عليه وسلم عنه في فتح مكة بعدما أسر إليه علي بن أبي طالب بأن أبي سفيان يحب الفخرة فقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ من دخل المسجد فهو آمن‏,‏ ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن‏,‏ وهو والد أم المؤمنين زوج رسول الله أم حبيبة واسمها رملة‏,‏ وقد أتت هند الرسول صلي الله عليه وسلم تطلب من بعد إسلامها عفوه فقال لعمر بن الخطاب بايعهن واستغفر لهن الله فبايعهن عمر‏,‏
وأقر النبي صلي الله عليه وسلم زواجها بأبي سفيان فذهبت لتضرب صنما لها في بيتها بقدوم حتي حطمته قائلة‏:‏ كنا منك في غرور‏..‏ وعادت هند تشكو زوجها للنبي عليه السلام بأنه شديد الغيرة لا يرفع عصاه عن أهله‏,‏ وأنه ممسك شديد التقتير وتسأله‏:‏ هل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالي؟ فأجابها النبي‏:‏ لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف‏.‏
في رحاب البيت العتيق تلد هند قبل البعثة بخمس سنوات ولدها معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر‏,‏ ومن هذا السلسال القرشي العريق لم يكن نسبه وتكوينه غصنا عاديا من أغصان بني أمية‏,‏ ولم يكن شأنه شأن العديد ممن تواري في هدوء ولم نعد نسمع له ذكرا‏,‏ بل إنه ملأ الدنيا وشغل الناس بشعرته وبراعته وسطوته‏,‏ حتي صار مضرب الأمثال في الحلم والحزم‏,‏ والسياسة والكياسة‏,‏ وإن اختلت في بعض الأحايين من حوله الموازين‏,‏ فوضع الذم موضع الحمد‏,‏ والكذب موضع الصدق‏,‏ والخداع موضع الإخلاص والإيمان ولقد ظلم بأفعال أبنائه وكتابة الشيعة لتاريخه‏,‏ فتحول إلي نموذج شرير‏,‏ لدرجة أن نسي الناس فضائله وتذكروا جبروته‏,‏ مع أنه لم يكن في وسع رجل أسلم علي يد النبي وصاحبه‏,‏
وعمل علي أيدي صحابته الكرام‏,‏ أن يغفل عن غيرة دينه‏,‏ وأحكام فرائضه‏,‏ وواجبات المروءة في عرف زمنه‏,‏ وليس أدل علي تبتله وحبه للرسول من أنه أوصي عند وفاته أن يلبسوه ثوبا للرسول أعطاه إياه‏,‏ و أن يذروا في عينيه وفمه نثارة قلامة ظفر للنبي‏,‏ احتفظ به ككنز عمره في قارورة‏,‏ للتبرك به عند وفاته عل الله أن يقبله‏..‏ ليس بالمدقق في الصورة دون سابق تأثير أن تضلله النيات والمزاعم عندما تخرج إليه حقيقة الأخبار والروايات سافرة بلا زيف‏,‏ لا تتواري من خلفها الأسباب والبواعث بحجاب كثيف‏,‏ وما كان أحد ليطمع في بقاء عصر الخلافة علي سنن الراشدين أبد الآبدين‏,‏ فقد انتهي بهم آخر الرجال المصطفين‏,‏ فذلك النسق من الخلق والتقوي في الحكم تنوء به طاقة الإنسان‏,‏ ومن ثم كان قيام الدولة الأموية من بعد عصر الخلافة الرشيدة بمثابة الحادث الجلل بالغ الخطر في تاريخ الإسلام وتاريخ العالم‏,‏
وكان مؤسسها معاوية هو الرجل القدير وإن لم يكن بالرجل العظيم‏,‏ وفي رأي العقاد أن هناك فارقا كبيرا بين القدرة والعظمة فكل عظيم قدير ولكن ليس كل قدير بالعظيم‏..‏ و‏..‏ أبدا لم يكن معاوية زاهدا في الخلافة في عهد أبي بكر أو عمر أو عثمان‏,‏ ولكن الخلافة هي التي كانت زاهدة فيه‏,‏ فلما جاء عصر الملك طلب الملك والملك يطلبه لينال عرشه ويحافظ عليه ويحميه ويوسع جنباته بالفتح الإسلامي الذي ضعضع دولا وأقطارا منها دولة الروم الشرقية‏,‏ حيث غادر هرقل أرض سورية وهو يودعها الوداع الأخير صائحا بنشيج البكاء‏:‏ الوداع يا سورية الوداع الأخير‏
بدأت مع معاوية مرحلة الحكم الإسلامي القائم علي الاستئثار بالسلطة وحصرها في أسرة واحدة تقوم علي توريث الملك للأبناء والأحفاد‏,‏ وبذلك تتحقق نبوءة النبي فيما يرويه ابن كثير في البداية والنهاية‏:‏ إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة‏,‏ ثم يكون رحمة وخلافة‏,‏ ثم ملكا عضوضا‏,‏ ثم عتوا وجبرية وفسادا في الأرض‏..‏ وقد كانت بداية مرحلة الملك العضوض المتسمة باستئثار السلطة وتوريثها علي يد معاوية الذي حصد الحكم في الأسرة الأموية من عام‏41‏ هـ حتي عام‏132‏ هـ‏,‏ ثم تلقفت الحكم من بعده الأسرة العباسية التي توارثت الحكم حتي اندثرت علي يد التتار‏..‏
وقد اعترف معاوية بنفسه برغبته في الخلافة قائلا قبل أن ينالها‏:‏ مازلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله‏:‏ يا معاوية إن ملكت فأحسن وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ أول جيش من أمتي يغزو مدينة قيصر ــ أي القسطنطينية ــ مغفور لهم وهذا يعود بالغفران لمعاوية بسبب فتوحاته‏,‏ وكان عثمان يسمع الشكايات ممن يطلبون منه عزل ولاته وأولهم معاوية فكان يقدم عذره المعهود قائلا‏:‏ إنما ولي علي الشام من ارتضاه من قبل عمر بن الخطاب‏..‏ ولم يكن معاوية غير أهل للخلافة فقد ظل يحكم المسلمين عشرين عاما خليفة‏,‏ بعد أن ظل مثلها أميرا علي الشام‏,‏
فكان أهلا لها طوال الأربعين ــ أميرا وخليفة ــ ليشهد بنفسه علي قدرته علي الملك الدنيوي قائلا‏:‏ إن أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده‏,‏ وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها‏,‏ وأما عثمان فنال منها ونالت منه‏,‏ وأما أنا فمالت بي وملت بها‏,‏ وأنا ألبنها ــ أشرب لبنها ــ فهي أمي وأنا ابنها‏,‏ فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم‏..‏ وقد قالها في لحظة اعتراف كما جاء في الطبري‏:‏ ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا‏..‏ فقد عرفت أنكم تفعلون ذلك‏,‏ ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم‏..‏ وقد تتابع عليه في أيامه الأولي من يقول له‏:‏ السلام عليكم أيها الملك‏..‏ فكان ينكر الاسم ولا ينكر السمة‏.‏ إلي أن تنازعه الخيار بين ترك السمة أو التمادي فيها‏,‏ فتمادي فيها وقال مجاهرا لمن حوله‏:‏ نعم أنا أول الملوك‏..‏
معاوية رجل السياسة الذي لا يغلق بابا‏..‏ مؤسس الدبلوماسية الذي جعل الاختلاف لا يفسد للود قضية‏..‏ الداهية الذي نادي بالتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه‏..‏ رأس الدولة المحنك الذي رفع شعار لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت‏,‏ فسأله بعضهم‏:‏ كيف ذلك؟ فقال‏:‏ إذا شدوها أرخيتها‏,‏ وإذا أرخوها شددتها‏..‏ وكان قوام حيلته في الحكم شعار فرق تسد والذي لو استطاع أن يجعل من كل رجل في دولته حزبا منافسا لغيره لفعل‏,‏ وإذا ما اشتهر معاوية بحلمه فقد كان الحلم عنده وسيلة من وسائل التحبب إلي الناس والدعاية السياسية التي يعزز بها حجته‏,‏ وحد الحكم عنده ألا يكون في العدوان والتطاول مساس بملكه وسلطانه‏,‏ فالكلاب تعوي والقافلة تسير‏,‏ والحليم من يملك الغضب ولا يملكه الغضب‏,‏ وكان في حلمه أشبه بالجمل الصبور‏,‏ لأنه ليس بالأسد الصهور‏,‏
ولقد أغلظ له رجل فأكثر فقيل له‏:‏ أتحلم عن هذا أيضا؟‏!‏ فقال‏:‏ إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا‏!‏ وكان يقول‏:‏ يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم‏,‏ فوالله لقد كنت ألقي الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما‏,‏ فأرجع وهو لي صديق‏,‏ إن استنجدته أنجدني‏,‏ وأثور به فيثور معي‏,‏ وما وضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما‏,‏ وكان من أقواله‏:‏ إني لأرفع نفسي أن يكون هناك ذنب أعظم من عفوي‏,‏ وجهل أكبر من حلمي‏,‏ وعورة لا أواريها بستري‏,‏ وإساءة أكثر من إحساني والصفح عن المسيء مع القدرة علي البطش به من أقرب الوسائل إلي كسب ولائه‏..‏ وإذا ما كان معاوية قد اشتهر بالحلم فحلمه قطرة من بحر والده أبي سفيان سليل العائلة التي قال عنها معاوية‏:‏ إذا لم يكن الأموي حليما فقد فارق أصله وخالف آباءه‏..‏
وقد جاء في العقد الفريد عندما استدعي الخليفة عمر بن الخطاب بعض ولاته لمشاورتهم في أعمالهم فقدم معاوية من الشام‏,‏ وعمرو بن العاص من مصر ليجلسا بين يديه يقدمان كشف الحساب‏,‏ فاعترض بن العاص كلام معاوية الذي استاء منه قائلا له‏:‏ هلم إذا لتخبر أمير المؤمنين عن عملي وأخبره عن عملك‏,‏ فخشي عمرو تفوق معاوية عليه‏..‏ فأردت أن أفعل شيئا أشغل به عمر عن ذلك فرفعت يدي ولطمت معاوية‏..‏ وانتظر الحضور ردة فعل معاوية عن الإهانة التي أصابته إلا أنه قال بهدوء‏:‏ إن أبي أمرني ألا أقضي أمرا دونه‏..‏ فأرسل ابن الخطاب إلي أبي سفيان فلما أتاه ألقي له وسادة للجلوس مرددا قول النبي عليه السلام‏:‏ إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ثم قص عليه ما جري بين عمرو ومعاوية فقال أبي سفيان‏:‏ ألهذا بعثت إلي؟‏!‏ أخوه وابن عمه وقد أتي غير كبير‏!!‏
وقد روي ابن حنبل في المسند‏,‏ والطبراني في المعجم الكبير‏,‏ والبخاري في التاريخ الكبير عن ابن سارقة قوله‏:‏ سمعت رسول الله يدعونا إلي السحور في رمضان وهو يقول‏:‏ اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ويضيف ابن جرير‏:‏ وادخله الجنة‏..‏ وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين تحب أخاها معاوية وتطلب من الرسول أن يدعو له‏,‏ فاستجاب الرسول ودعا‏:‏ اللهم اجعله هاديا مهديا‏,‏ وروي المعاوية عن النبي عليه السلام مائة وثلاثة وستون حديثا‏,‏ وفي ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أتي جبريل عليه السلام إلي رسول الله فقال‏:‏ يا محمد اقرئ معاوية السلام واستوصي به خيرا فإنه أمين الله علي كتابه ووحيه ونعم الأمين‏..‏ وفي البخاري ومسلم وابن حنبل عن ابن عباس قوله‏:‏ كنت ألعب مع الغلمان‏,‏
فإذا رسول الله يقول‏:‏ اذهب فادع لي معاوية ــ وكان يكتب الوحي ــ فذهبت فدعوته له فقيل‏:‏ إنه يأكل‏,‏ فأتيت رسول الله فقلت‏:‏ إنه يأكل‏,‏ فقال‏:‏ اذهب فادعه‏,‏ فأتيته الثانية فقيل‏:‏ إنه يأكل‏,‏ فأخبرته‏,‏ فقال في الثالثة‏:‏ لا أشبع الله بطنه قال‏:‏ فما شبع بعدها‏..‏ وقد لصقت الدعوة بمعاوية فكان يأكل في اليوم سبع مرات ويقول‏:‏ والله ما شبعت ولكني مللت وقد اتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ اللهم إنما أنا بشر‏,‏ فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا‏,‏ فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة‏.‏ ولم يزل معاوية يكتب للرسول إلي أن انتقل إلي جوار ربه‏.‏
ولكل قدير أوائل‏,‏ وأوليات معاوية لا حصر لها منها‏:‏ أنه أول من أحدث الآذان في العيد‏,‏ وأول من أحدث الخطبة قبل صلاة العيد‏,‏ وأول من أوتر بعد العشاء بركعة واحدة‏,‏ وأول من وضع نظام البريد في الإسلام‏,‏ وأول من خطب في الناس جالسا وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه‏,‏ وأول من اتخذ الخصيان لخدمته الخاصة‏,‏ وأول من اتخذ ديوان الخاتم وكان محفورا علي فصه لكل عمل ثواب‏,‏ وأول من اتخذ المقصورة في الجامع‏,‏ وأول من أذن بتجريد الكعبة وكانت كسوتها من قبل تطرح عليها طبقات‏,‏ وأول من استحلف في البيعة فقد ذكر عبدالله بن مروان أنه استحلفهم في بيعته بالطلاق والعتاق‏,‏ وأول من عني بتسجيل المواليد والوفيات ليتمكن من ضبط مرتبات الجنود‏,‏ وأول من خرج غازيا في البحر وكان في زمن عمر بن الخطاب قد ألح في غزو البحر‏,‏ خاصة لقرب الروم من بلدة حمص قائلا في وصف ذلك القرب‏:‏ إن قرية من قري حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم‏,‏
وكاد عمر أن يوافقه علي الغزو إلا أنه أرسل خطابا لعمرو بن العاص يطلب فيه‏:‏ صف لي البحر وراكبه فإن نفسي تنازعني إليه‏,‏ فكتب له عمرو‏:‏ إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير‏,‏ إن ركن ــ سكن ــ خرق القلوب‏,‏ وإن تحرك أزاغ العقول‏,‏ يزداد فيه اليقين قلة‏,‏ والشك كثرة‏,‏ هم فيه كدود علي عود‏,‏ إن مال غرق‏,‏ وإن نجا برق‏,‏ فلما قرأه عمر كان رده علي ابن العاص‏:‏ لا والذي بعث محمدا بالحق‏,‏ لا أحمل فيه مسلما أبدا‏,‏ وكتب خطابا آخر بهذا الصدد إلي معاوية يقول فيه‏:‏ إنا سمعنا أن بحر الشام يشرف علي أطول شيء علي الأرض‏,‏ يستأذن الله في كل يوم وليلة أن يفيض علي الأرض فيغرقها‏,‏ فكيف أحمل الجنود في هذا البحر الكافر المستعصب‏,‏ وتالله لمسلم أحب إلي مما حوت الروم‏,‏ فإياك أن تعرض لي‏..‏
فطوي معاوية أمره في طيات نفسه حتي إذا وجد الفرصة في زمان عثمان كرر المحاولة فاستجاب عثمان بشرط‏:‏ لا تنتخب الناس‏,‏ ولا تجري عليهم القرعة‏,‏ خيرهم‏,‏ فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه‏,‏ وغزا معاوية بخمسين رجلا في أول حملة بحرية ولم يغرق أحد وكان يركب قاربا في الطليعة‏,‏ ومن بعدها في سنة ثمان وعشرين غزا قبرص‏,‏ وبلغ عدد الأساطيل في عهده‏1700‏ كاملة العدة والعدد‏,‏ وقد روي البخاري عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان أنها قالت‏:‏ نام النبي صلي الله عليه وسلم يوما ثم استيقظ يبتسم‏,‏ فقلت‏:‏ ما أضحكك؟ قال أناس من أمتي عرضوا علي يركبون البحر الأخضر كالملوك علي الأسرة‏,‏ فقلت‏:‏ فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها أن تكون من الأولين‏,‏ فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا مع معاوية في البحر‏,‏ فلما انتهت غزوتهم وقعت من فوق دابة فماتت ليقام لها في قبرص ضريح يتبرك به الأتراك للآن ويطلقون علي صاحبته لقب الطاهرة‏..‏ ومن قبرص إلي رودس إلي بلاد الروم‏,‏ والسند‏,‏ وكابل‏,‏ والأهواز‏,‏ وما وراء النهر‏,‏ وشمال أفريقيا كلها في عهد معاوية‏,‏ حتي وصلت إلي أكبر اتساع لدولة في تاريخ الإسلام‏..‏
هذا ولم تعد تصيبني الدهشة أو أتوقف طويلا عندها‏,‏ بل لقد أصبحت بمثابة اللازمة عندي في أن أشمر عن ساعد الجد وأنا مقبلة علي إحصاء عدد الزوجات والأزواج لكل من أجدادنا وجداتنا العرب‏,‏ إلي جانب العنت الذي ألاقيه في حصر أسماء الأبناء والبنات المتشابهة في شجرة كل عشيرة‏,‏ ومن هذا المنطلق فقد أحصيت لأبي سفيان ثماني زوجات هن‏:‏ سمية أم ابنة زياد‏,‏ وصفية‏,‏ وزينب‏,‏ وأزدية‏,‏ وصفية بنت أبي العاص‏,‏ ولبابة‏,‏ وأم رملة‏,‏ وهند بنت عتبة أم معاوية بيت قصيدنا‏..‏ وكان حظ أبي سفيان من الأبناء الذكور ثمانية هم‏:‏ حنظلة‏,‏ ويزيد‏,‏ ومحمد‏,‏ وعنبسة‏,‏ وعمر‏,‏ وعتبة‏,‏ وزياد‏,‏ ومعاوية‏..‏ ومن البنات ثمان هن‏:‏ أميمة‏,‏ وهند‏,‏ وصخرة‏,‏ وميمونة‏,‏ ورملة‏,‏ وجويرية‏,‏ وأم الحكم‏,‏ وأم المؤمنين أم حبيبة‏...‏
وعلي ذكر نساء معاوية فهن‏:‏ ميسون التي أنجبت له يزيد أشهر أولاده وبنتا اسمتها هند‏,‏ وفاختة التي ولدت له عبدالرحمن وبه كان يكني‏,‏ وعبدالله وكان ضعيف العقل‏,‏ ونائلة‏,‏ وكتوة وقد غزا قبرص وهي في صحبته وماتت هناك‏,‏ وفاطمة بنت أبي أمية المخزومي وكانت زوجة لعمر بن الخطاب فلما أراد الهجرة أبت مصاحبته فطلقها ليتزوجها معاوية‏..‏ ويذكر المؤرخون ابنته صفية دون ذكر أمها وقد تزوجت محمد بن زياد ابن أبيه‏...‏ وأبدا لم يكن من عادات العرب أن يمكث الرجل بلا زواج بعد وفاة زوجته‏,‏ أو أن يقضي مثلها قبل ارتباطه بأخري شهور عدة مثل عدة الوفاة الواجبة علي الأرملة‏,‏ والتي تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام‏,‏ فقد عقد النبي صلي الله عليه وسلم علي سودة وعائشة في شهر شوال بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها في شهر رمضان لعشر خلون منه‏,‏ كما ذكر الدمياطي والواقدي‏,‏ وتزوج علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء بسبع ليال‏,‏ وتزوج أحمد بن حنبل في اليوم الثاني من وفاة أم ولده عبدالله قائلا‏:‏ أكره أن أبيت عزبا ــ أعلام النساء ــ وقام سعيد بن المسيب بتزويج ابنته لتلميذه عبدالله بن أبي أوفي وذلك في اليوم الثاني من وفاة زوجته‏.‏
وقد وجدتها في كامل روعتها عند معاوية‏..‏ تلك الدماثة والحنان الأبوي‏,‏ وذلك الفهم الجميل لطبيعة الأنثي وذلك في تعامله مع بناته حتي إنه قد أثار عجب عمرو بن العاص عندما دخل عليه فوجده يرقص مسرورا إحدي بناته‏,‏ ولما قرأ معاوية علامات الدهشة علي وجه صاحبه قال له لائما‏:‏ ويحك‏..‏ هذه تفاحة القلب‏..‏
معاوية‏..‏ نتاج أبي سفيان وهند‏..‏ الأم هند التي دخل عليها ابنها قادما من الشام واليا عليها من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلاقته قائلة‏:‏ يا بني‏..‏ قلما ولدت حرة مثلك‏,‏ وقد استعملك ذلك الرجل فاعمل بما وافقه‏..‏ أحببت ذلك أم كرهت ويذهب معاوية إلي أبيه أبي سفيان فيلاقيه بقوله‏:‏ يا بني هذا الرهط من المهاجرين سبقونا وتخلفنا عنهم‏,‏ فرفعهم سبقهم وقصر بنا تأخرنا‏,‏ فصرنا تبعا وصاروا قادة‏,‏ وقد قلدوك عظيما من أمرهم فنافس عليه فإن بلغت فيه الأمد أورثته عقبك‏..‏ وكانت النصيحة بطرفيها واحدة‏..‏ معناها ساير أمورك‏..‏ وقد كان‏..‏ بلغ معاوية الأمد‏..‏ حامل أحلام هند حكم فحلم فقهر الأعداء وأرسي قواعد دولة بني أمية وأورث الحكم للابن يزيد‏..‏ وظل للمنتهي يفاخر الناس بقوله‏:‏ أنا ابن هند‏.!

موضوع منقول عن صحيفة الوطن الكويتية - مؤتمر القدس في الكويت


مؤتمر القدس اختتم فعالياته بالمطالبة بمضاعفة الجهود لنصرة القضية الفلسطينية
بعض القوى الخارجية أدخلتنا في صراعات جانبية لتمرير سياستها على المنطقة
المتحدثون في الجلسة الاخيرة للمؤتمر
كتب عباس دشتي: اختتم مؤتمر القدس السنوي السادس فعالياته التي اقيمت تحت اشراف حركة التوافق الوطني الاسلامية بديوان السيد محمد باقر المهري بحضور النائب صالح عاشور والوزير السابق عبدالوهاب الوزان وعدد من الاكاديميين والفعاليات واركان السفارة الايرانية، اضافة الى سفير الفاتيكان في الكويت.وطالب المشاركون الانظمة العربية والاسلامية بمضاعفة جهودها من اجل نصرة القضية الفلسطينية وعدم الجري خلف السراب وايجاد البرامج الاستراتيجية لتحقيق الاهداف المرجوة التي بامكانها التصدي للسياسة الاسرائيلية المعتمدة على الردع وكسر القوى السياسية العربية والاسلامية.اسرائيل خليقة حديثةالمطران د. كاميللو بالين مطران الكنيسة الكاثوليكية في الكويت تطرق الى بحث تاريخي حول ارض فلسطين قبل 4200 عام اي قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، واشار الى ان الكنعانيين هم اول شعب عمر فلسطين ثم تواصلت هجرة شعوب سامية وغير سامية مثل الهكسوس والحوريين ومن الهند وايران وكذلك بعض القبائل الاسرائيلية فيما بعد، مشيرا الى وجود صراع بين هذه الشعوب من اجل الاستيلاء على المدن، بوجود عدد من الانبياء والرسل في هذه الارض مثل سيدنا داوود وسليمان عليهما السلام ثم الاشورين والبابليين فالامبراطورية الرومانية.واوضح بان الامبراطورية الرومانية طردت اليهود من ارشليم عام 135م واصبح خلفاء اسرائيل القديم غرباء في وطنهم واجبروا على ترك المدينة المقدسة وخضع اليهود للحكم البيزنطي.واختتم المطران بالين كلمته بالتأكيد بان اسرائيل الحالية ليست امتداداً لاسرائيل القديمة بل خليقة حديثة اتت بعد اتفاقيات سياسية واقتصادية مع بعض دول العالم.الاستراتيجية العربية سراببدوره اكد د.علي الطراح استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت في كلمة على دور وسائل اعلام المجتمع المدني في تعبئة الرأي العام لنصرة القدس قائلاً ان الانقسام العربي الاسلامي في العصر الحالي يعتبر من اسوأ الاوضاع التي وصلنا اليها، وان حالة الانقسام والازمة النفسية التي نعاني منها الآن وصلت الي كيان الدولة الواحدة محملاً بعض الانظمة مسؤولية ضياع الحق العربي في فلسطين بحيث تفاقمت الازمة وامتدت الى زعامات المجتمع المدني وتجاوز هذا الصراع كل الحدود ليمتد الصراع بين القوى الفلسطينية في فلسطين وجاء الصراع على حساب القضية المركزية.وكذلك وجود صراع اقليمي في لبنان وفي العراق، ناهيك عن اوجه الازمات في الدول العربية.وتساءل د.الطراح عن اسباب هذه الأزمات والضعف الذي يواجه الانظمة العربية، مشيرا الى ان سياسة اسرائيل تقوم على فلسفة الردع بالارتباط مع الدول العظمى وهو تحالف استراتيجي وسياسة الردع بما يسمى الحرب الاستباقية التي تعتمد على كسر أية محاولة في المحيط الاقليمي الخاص باسرائيل، وبالفعل نجحت بذلك في المنطقة العربية حيث كانت تكسير القوى السياسية والشعبية لدرجة انها لم تتمكن من النهوض واداء عملها، كما اكد ان الانظمة ليس لديها استراتيجية واحدة في التعامل مع الوضع الفلسطيني لوجود استراتيجيات لا تقوم على مصلحة وطنية او قومية وانما تقوم على المصلحة الخاصة في تحالفاتها، مؤكدا ان الانظمة العربية تجري وراء السراب وهذه هي الازمة الحقيقية التي ادخلتنا في صراعات مختلفة وابعدتنا عن القضايا العربية والاسلامية، منوها ان من هذه التحولات الكبيرة التي حدثت في المنطقة الملف النووي الايراني حيث استطاعت بعض القوى الخارجية ادخالنا في صراعات جانبية لتمرير سياستها على المنطقة وهكذا.الدور المطلوبواختتم المستشار الاعلامي فيصل الدويسان اوراق العمل في المؤتمر بكلمة حول دور وسائل الاعلام في المجتمع المدني قائلا إن المجتمع المدني رابطة اجتماعية تعتمد على الاختيار الطوعي في الانضمام لتجمع ما والاسهام في انشطته.واشار الى ان اصحاب القضية الفلسطينية لعبوا دورا سلبيا في مثل الدور المطلوب لتعبئة الرأي العام المقاوم، حين رضخوا لاتجاه «الآلام»، اضافة الى رأي وشعور آخر بأن المقاومة ضرب من تحدي الواقع والحقيقة المؤلمة وعليه واصلت مختلف وسائل الاعلام اهتمامها بمنظمات المجتمع المدني وتغطية انشطتها بشكل سطحي دون التركيز على القضية الاساسية وهي قضية القدس.واوضح بأن الاعلام العربي متناقض تجاه قضية القدس، كما باتت القضية الفلسطينية رهن النظام السياسي العربي الحاكم ورؤيته السياسية، بل ذهبت بعض الانظمة الى تثبيط كل العزائم وتوهين الارادة.ودعا الدويسان الى خلق تشريعات لكسر طوق الرقابة على وسائل الاعلام وعلى منظمات المجتمع المدني لضمان ممارستها بحرية واستقلالية وتأهيل الشباب العربي الواعي في مجاجل وسائل الاتصالات المختلفة، وانتاج برامج استعلامية لنسخ المجتمع الصهيوني.وفي الختام تم تكريم المشاركين في المؤتمر حيث قام السيد محمد باقر المهري بتوزيع الدروع التذكارية.
تاريخ النشر 28/09/2008