28 فبراير 2009


طولكرم- مركز المتوسط للإعلام - محمد أحمد مصاروة فلسطيني في ال79 من العمر وهو اللاجئ الوحيد من بين أفراد عائلته في باقة الغربية والذي ترفض حتى الآن دوائر وكالة الغوث "الاونروا "الاعتراف به كلاجئ..!
مصاروة والذي يبدو أكثر شبابا من أبناء جيله من مواليد العام 1930 في باقة الغربية توفيت والدته قبل ثلاثة أعوام ويسكن إخوانه وأخواته فيها وبقي هو اللاجئ الوحيد الذي يتمنى العودة لباقي أسرته أو على الأقل حفظ حقوقه كلاجئ ترك بلدته رغما عنه .
يقول أبو عماد أقيم اليوم في حارة السلام شرق طولكرم تركت مدرستي في باقة الغربية 1946عام لأعمل في معسكرات الجيش الإنجليزي وتحديدا في الوحدة ( 653 ROYAL ENGINEER ) وبعد انسحاب الوحدة في أواسط العام 1948 وتوالى الأحداث في فلسطين بوصول الجيش العراقي إلى منطقة طولكرم تم تشكيل وحدة من أبناء المنطقة أطلق عليها اسم فوج الشعراوية وأسندت قيادتها للعراقي اللواء الركن عبد الكريم الراوي وقد كنت أحد المنضمين لهذا الفوج وحملت الرقم 3115 حيث تم وضعنا في الخنادق الأمامية حول باقة الغربية لكن سرعان ما ترك الجيش العراقي المنطقة وحل مكانه قوات أردنية حيث تم إعادة تشكيل الوحدة الآنفة الذكر إلى الفوج 11في الجيش العربي وبقيادة الزعيم حسن وهو شركسي -على ما اذكر - وهنا عدت احمل الرقم 2622 في هذه الكتيبة
وبعد مرور بعض الوقت والتطورات التي أدت إلى احتلال إسرائيل قرى المثلث الشمالي بما فيها قريتي باقة الغربية خرجت مع الكتيبة المنسحبة تاركا والدتي وإخواني وأخواتي لأبدأ رحلة جديدة مع الهم والاغتراب في حين حصل أهلي على الجنسية الإسرائيلية حسب القوانين المطبقة عليهم
بعد الانسحاب من باقة ومرور ثلاثة أشهر تم وضعنا في معسكر للجيش الأردني قرب دير شرف وأذكر أن قائد الجيش قبل تعريبه كان في حينه الجنرال كلوب باشا (ابو فارس ) الذي زارنا في المعسكر والقى علينا محاضرة طلب في نهايتها من أي جندي بقي أفراد عائلته في إسرائيل العمل على إخراجهم ليلتحقوا به قائلا انه لا يريد أن يجزأ العائلات فمن عائلته في إسرائيل فإما أن يدعوها للالتحاق به أو ترك الجيش!!! يضيف أبو عماد إنني لا زلت أذكر كلماته باللهجة البدوية حرفيا وهو يردد "اللي بدو يشتغل.. يشتغل واللي ما بدو يشتغل هاي طريقي وهاي طريقه "
وأقول الآن الحمد لله على أن مصيبة اللجوء اقتصرت علي لوحدي ولم اخذ بنصيحة الإنجليزي أبى حنيك (لقب كلوب باشا نظرا لإصابة في فكه)
وهكذا وجدتني بعد مدة قد أخرجت من الجيش.
ووجدت نفسي لا وظيفة ولا أهل ولا وطن فتقدمت في أولى الخطوات للحصول على شهادة اللجوء وأنا في الثامنة عشرة من العمر – إلى مركز وكالة الغوث في نابلس للحصول على بطاٌقة مؤن شرحت للمسؤول هناك وهو من عائلة طقطق المعروفة في نابلس- الوضع الصعب لي فوافق على طلبي طالبا أن أضع عنواني على الطلب وأن انتظر قدوم موظف الإحصاء لزيارتي ويتم تسجيلي مع اللاجئين لكن كل شيء تغير عندما أبلغته بأنه لا عنوان ثابت لدي فأنا لا مسكن لي وأمضي أيامي كالمتشرد كل يوم عند صديق أو أحد المعارف ممن يتكرم باستضافتي عنده ولا أستطيع أن أجد من يستضيفني طويلا في هذه الظروف وطلبت أن يتم تحديد مكان وموعد أتواجد فيه عندما يحضر موظف الإحصاء لأكون في انتظاره وهنا ارتفعت حدة النقاش والجدال بيني وبين الموظفين في الوكالة مما أدى إلى إخراجي مخذولا دون الحصول على بطاقة تثبت لجوئي من بلدتي .
توالت الأيام وعملت في معسكر للجيش البريطاني في العقبة 626 ORDANANCE JORDAN وذلك حتى رحيل القوات البريطانية في العام 1957ولا زلت احتفظ برسالة إنهاء الخدمة عندهم بعد ذلك عملت مع عدد من متعهدي أرزاق الجيش الأردني حتى العام 1967حيث قمت بزيارات عدة إلى لبنان للإشراف على جودة الخضار المستورد للجيش الأردني من سهل البقاع ويضيف إنني لازلت اذكر إقامتي في حي حوش الأمراء في زحلة في منزل التاجر الوسيط محمد علي الصابوري
قابلت والدتي واخوتي وأخواتي في باقة مسقط رأسي بعد غياب 18 سنة وكان لقاءا مؤثرا لا يمكن نسيانه كان ذلك بعد هزيمة حزيران 1967 بأربعة أيام حيث حضرت من نابلس إلى عتيل ثم نزلة عيسى وهناك أمضيت ليلة عند صديق وفي الصباح قطعت الحدود الخاوية عائدا إلى باقة الغربية مشيا على الأقدام مباشرة إلى منزلنا لأجد صبية لم أعرفها في شرفة المنزل سألتها هل أمي في الدار ؟ فسألتني من أنت ؟ وعرفتها بحالي وإذا هي شقيقتي التي ولدت بعد الهجرة عام 1948
لم يتمالك أبو عماد نفسه من البكاء عندما عاد إلى الوراء 41 عاما على لقاءه مع والدته وكأنه جرى بالأمس- طالبا مني العذر على المقاطعة بعد أن مسح دموعه قال : دخلت على والدتي وكانت قد وضعت حليبا لتسخينه على بابور"بريموس" وقفت أمامها انظر لها لا ادري ما أقول فرفعت بصرها لتجدني أمامها بعد غياب 18 عاما وصرخت محمد يا حبيبي الحمد الله وتعانقنا باكين ..لم ننتبه للحليب الذي يغلي وانسكب في غالبيته بانشغالنا بفرحة اللقاء
في غرفة والدتي وجدت أنها تحتفظ بعلبة حلويات خزفية وزعت منها أثناء حفل زفافي وكنت قد أرسلت هذه العلبة مع صور العرس لوالدتي بواسطة المسيحي الوحيد في باقة الغربية "واكيم" والذي تعرفت إليه والتقيته بعد أن سمح للمسيحيين بالمرور في الأعياد المسيحية عبر بوابة مندلبوم في القدس وقد طلبت إليه نقل هذه الأمانة لوالدتي في باقة
بعد عدة أيام من هذا اللقاء الحار كان علي أن أعود لنابلس واحضر زوجتي وأولادي الأربعة لأعرفهم بوالدتي وأهلي
أنا الآن متزوج ولدي 11 من الأبناء والبنات 9 منهم متزوجون ولدي33 حفيدا وحفيدة
إنني أناشد مسئولي وكالة الغوث مساعدتي في الحصول على بطاقة لاجئ بعد أن حرمت من حق لي لاكثر من جيلين حيث لا يزال ثلاثة من إخوتي و5من شقيقاتي يقيمون في باقة الغربية حتى اللحظة.
التقيت في آخر محاولة للحصول على بطاقة لاجئ مع السيد واصف زعاترة – مدير في وكالة الغوث- دعوته لاختصار الطريق علي ورجوته بالموافقة على طلبي وقلت له ألا تكفي صور الهويات لوالدتي واخوتي وشهادة أنني كنت طالبا في مدرسة باقة من مدير المدرسة وما هو تبرير إقامة كل أهلي في باقة الغربية وإقامتي خارجها دون أهلي ؟ أليس هذا دليل على لجوئي لسبب أو لآخر ؟؟؟ لكن للأسف الوكالة تريد المزيد من المستندات ...تريد مستندات باسمي شخصيا قبل العام 1948 وقد كنت في حينها ولدا لا يملك أي مستند
لي ابن عم يكبرني سنا وظروفه تطابق ظروف لجوئي تماما اللهم انه اتجه للعمل في الشرطة وأنا اتجهت للجيش وقد حصل منذ مدة على بطاقة لاجىء بعد أن أنصفته الوكالة... غرني الحماس للدفاع عن الوطن لأترك بلدتي جنديا ولأظل طوال حياتي بعد ذلك لاجئا غير معترف بلجوئه!!