21 مارس 2009

من روائع الشعر العربي ... للقاضي الجرجاني والطغرائي


من روائع شعر القاضي الجرجاني ... قصيدة ينتقد فيها تذلل المتعلمين واستخدامهم علمهم لإرضاء هذا وذاك من المسئولين ينطبق هذا تاما على عصرنا .. عصر استخدام الشهادات للوصول إلى المال والمنصب ... لقد أصبح العلم غاية تجارية ومطمعا ماديا دون حساب للكرامة الشخصية ويصور موقف الانسان الذي يحترم نفسه وعلمه .

يقولون لي: فيك انقباضٌ وإنما ** رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما

أرى الناس من داناهمو هان عندهم ** ومن أكرمته عزّة النفس أكرما

وما زلت منحازا بعرضي جانبا ** من الذمِّ، أعتدُّ الصّيانة مغنما

إذا قيل: هذا مشربٌ، قلت: قد أرى ** ولكن نفس الحرِّ تحتملُ الظما

وما كل برق لاح لي يستفزّني ** ولا كلُّ أهل الأرض أرضاهُ منعما

ولم أقض حقّ العلم، إن كان كلما ** بدا مطمعٌ صيرتُهُ لي سُلّما

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ** لأخدم من لاقيتُ لكن لأُخدما

أأشقى به غرساً، وأجنيه ذلّةً **إذن فاتباع الجهل قد كان أحزَما

ولو أنَ أهل العلم صانوه صانهم ** ولو عظّموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه، فهانوا، ودنّسوا ** مُحّياهُ بالأطماع حتى تجهما


وهذه مختارات من قصيدة رائعة مملوءة حكمة وموعظة للطغرائي الشاعر-
مؤيد الدين الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني ( 454 - 515 هـ )


أصالة الرأي صانتني عـن الخلطل -- وحـلية الفضـل زانتنـي لدى العـطل
فيم الإقامـة بالزوراء لا سكنى بها -- ولا ناقتـــي فيـــها ولا جملــي
ناء عن الأهـل صفـر الكف منفرد -- كالسيــف عـرّي متناه عـن الخـلل
فلا صديـق إليه مشتكـى حزنـي -- ولا أنيـس إليــه منتهــى جذلــي
طال اغترابـي حتى حـنّ راحلتي -- ورحـلها وقــرى العسـّالة الذبــل
أريـد بسطـة كـف أسـتعين بها -- عـلى قـضاء حقـوق للعـلا قــبلي
والدهـر يـعكس آمالـي ويقنعنـي -- من الغنيــمة بعـد الكــدّ بالقفــل
والركب ميل على الأكوان من طرب-- صاح وآخـر من خـمر الهـوى ثمـل
فقلت أدعـوك للجـلّى لتنصرنـي -- وأنت تخذلنـي فـي الحـادث الجـلل
تنام عينـيّ وعـين النجم سـاهرة -- وتستحيـل وصبـغ الليـل لم يحــل
فهل تعيـن على غـيّ هممت بـه -- والغـيّ يزجـر أحـياناً عـن الفشـل
حـب السلامـة يثنـي همّ صاحبه -- عـن المعالـي ويغـري المرء بالكسل
فإن جنحـت إليـه فاتخـذ نفقاً في -- الأرض أو سلّماً فـي الجـو واعتـزل
ودع غـمار العلا للمقدميـن عـلى -- ركوبــها واقتنـــع منهـن بالبلـل
رضى الذليل بخفض العيش مسكنه -- والعـزّ تحت رسيـــم الاينق الذلـل
إنّ العلا حدّثتنـي وهـي صادقـة -- فيـما تحــدّث أن العـزّ فـي النقـل
لو أنّ في شرف المأوى بلـوغ منى -- لم تبـرح الشمـس يومـاً دارة الحمل
أعلّـل النفـس بالآمـال أرقبــها -- ما أضيـق العـيش لـولا فسحة الأمل
لم أرض بالعيـش والأيّـام مقبلـة -- فكيـف أرضى وقد ولّت علـى عجـل
غالـى بنفسـي عرفانـي بقيمتـها -- فصنتـها عن رخيـص القـدر مبتـذل
وعـادة النصـل أن يزهي بجوهره -- وليـس يعمـل إلا فـي يـدي بطــل
ما كـنت أوثـر أن يمتد بي زمني -- حـتى أرى دولـة الأوغـاد والسـفل
تقدّمـتنـي أناس كـان شوطــهم -- وراء خطـوي إذ أمشـي علـى مهـل
هذا جـزاء امـرئ أقـرانه درجوا -- من قبلـه فتمنـى فسحــة الأجــل
وإن عـلاني من دونـي فلا عجب -- لي أسـوة بانـحطاط الشمس عن زحل
فاصبر لها غير محتال ولا ضـجر -- في حادث الدهـر ما يغنـي عن الحيل
أعـدى عـدوك أدنى من وثقت به -- فـحاذر الناس واصـحبهم على دخـل
وإنما رجــل الدنــيا وواحـدها -- مـن لا يـعوّل في الدنـيا على رجـل
وحسـن ظنّـك بالأيـام معجــزة -- فظـنّ شـراً وكـن منها عـلى وجـل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت-- مسافــة الخلـف بين القـول والعمل
وشان صدقـك عـند الناس كـذبهم -- وهـل يطابــق معــوج بمعتــدل
إن كان ينجـع شـيء في ثباتـهم -- على العهـود فسـبق السيـف للعـذل
يا واردا سـؤر عيـش كلّـه كـدر -- أنـفقت صفـوك فــي أيامـك الأول
فيـم اقتحامـك لجّ البحـر تركبـه -- وأنـت يكفيـك منـه مصّـة الوشـل
ملك القناعـة لا يخشـى عليـه ولا -- يحتاج فيــه إلى الأنصـار والخـول
ترجـو البقـاء بـدار لا ثـبات لها -- فـهل سـمعت بــظل غـير مـتنقل
ويا خبيـراً على الأسـرار مـطّلعاً -- اصـمت ففي الصـمت منجاة من الزلل
قـد رشحـوك لأمـر لو فطنت له -- فاربأ بنفسـك أن ترعـى مـع الهمـل